(فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً!!)

السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ

قصة الأسبوع / الخميس / 20/06/1431هـ

رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا

اللهمَّ ارْزُقْنا الْفِرْدَوْسَ الأعلى مِنْ غَيْرِ عِتَابٍ ولا حِسَابٍ ولا عَذَابْ

(فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً!!)

عَن أَبي هُرَيرَةِ رَضي اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلّـى اللهُ عَليهِ وَسَلّـم قـال :( نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ :"فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً!!") رواه البخاري 3072 وفي رواية مسلم4157 : فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ :"أَفِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ؟! أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنْ الْأُمَمِ تُسَبِّحُ"

معاني المفردات

فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ: الجهاز هو المتاع

فَلَدَغَتْهُ : أي قرصته

فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً: فهل اكتفيت بنملة واحدة

أَفِي أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ: أمن أجل نملة واحدة قرصتك

تفاصيل القصّة الرائعة

( الإصلاح ) قضيّة الأنبياء كلهم ، ومحورٌ تدور حوله مناهجهم وشرائعهم ، فقد جاءت التوجيهات والنصائح تدعو إلى إعمار الكون وتوجيه الطاقات البشريّة نحو البناء لا الهدم ، والتشييد لا التخريب ، وإن الدعوة إلى المحافظة على صور الحياة وأشكالها ، والمناداة برعايتها والاهتمام بها ، خير شاهد على ذلك .

وعلى العكس ، فإن الفساد والإفساد في الأرض مهما كان نوعه أو بلغ حجمه ، فإنه سلوك مرفوض يبغضه الله تعالى وتأباه الفطر السليمة ، كما جاء تقريره في قوله تعالى : { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } ( البقرة : 205 ) .

وتأسيسا لما تقدّم ، يعرض لنا النبي – صَلّـى اللهُ عَليهِ وَسَلّـم – في الحديث المتّفق على صحّته ، قصّة نبيّ بُعث في الأمم السابقة ، جاءه العتاب الإلهيّ حينما أهلك قريةً كاملة من النمل!! .

كان هذا في يومٍ سار فيه ذلك النبيّ الكريم في بعض حاجته حتى أضناه المسير ، فنزل تحت شجرةٍ طلباً للراحة وتجديد النشاط ، ثم جعل متاعه على مقربة منه .

ويقدّر الله أن يجلس ذلك النبي فوق قريةٍ من قرى النمل ، فانطلقت إحداها مدفوعةً بغريزتها لتحمي مملكاتها ، فكان أن قرصت النبي قرصةً آلمته .

ويبدو أن تلك القرصة كانت مؤلمة للغاية ، إلى حدٍّ جعلت النبيّ يغضب غضباً شديداً ، فلم يكتف بقتل تلك النملة جزاءً على أذيّتها ، بل أمر بإحراق القرّية كلّها .

ويوحي الله إلى ذلك النبي معاتباً وموبّخا : ألأجل نملةٍ واحدةٍ آذتك في نفسك ، تُهلك أمّة كاملة تسبّح الله في غدوّها وعشيّها ؟ .

 

ومضات من القصّة
ما أعظم اللمحة التربويّة التي تحملها هذه القصّة ، إنها إشراقةٌ أخلاقيّةٌ ترقى بسلوك المؤمن إلى أعلى مستوى يمكن أن تصل إليه ، وتفجّر بين جنباته معاني الإحساس بالمسؤوليّة واستشعار المراقبة الذاتيّة ؛ ومن تربّى على التحرّز من قتل نملة واحدة بغير حقّ ، لا يمكنه أن يفكّر مجرّد تفكير أن يسفك دماً حراماً ، أو يأكل أموال الناس بالباطل ، أو يعيث في الأرض فساداً وإهلاكاً .

كما أن في الحديث توجيهٌ إلهيٌّ للنبي نحو الأليق بمقام نبوّته والأنسب لمكانته ، بأن يتعامل مع الموقف بروح الصبر والمسامحة ، بدلاً من الانتقام للنفس وإهلاك جميع النمل بذنب واحدة ، (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ( البقرة : 205 )

ويبدو من السياق أن التعذيب بالنار كان جائزاً في الأمم السابقة ، فإن العتاب لم يقع في أصل القتل أو الإحراق ، ولكن في الزيادة على النملة الواحدة ، ثم استقرّ الأمر في شريعة الإسلام على حرمة التعذيب بالنار كما قال رسول الله – صَلّـى اللهُ عَليهِ وَسَلّـم - : (لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ ) رواه أبوداود2299 وأحمد 15457 وصححه الألباني ، كما ورد النهي عن قتل النمل بخصوصه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلّـى اللهُ عَليهِ وَسَلّـم :"نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ" رواه أبوداود4583 وصححه الألباني

 في حين جاء الأمر بقتل جملة من الحيوانات المؤذية بطبعها لكثرة ضررها وفسادها ، فأمر بقتل الفأرة – وسمّاها فويسقة - ، والعقرب ، والغراب ، والحدأة – نوعٌ من الطيور مؤذي- ، والكلب العقور ، والوزغ(أي البرص) ، وغير ذلك مما جاء في السنّة .

وقضية أخيرة يحملها الحديث : وهي أن الكون بجميع مخلوقاته قد دان بالعبوديّة لله وحده وأسلم له طوعاً واختياراً ، واعترف بقدره وقهره ، وكماله وسلطانه ، أفلا يكون ابن آدم الذي ميّزه الله بالعقل والإدراك ما استدلّ به على وجود خالقه ووحدانيّته ، أولى بالعبودية وأحرى بالتسبيح والتنزيه؟ .