إخواني أخواتي متابعي حديـث اليوم السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
تحية زاكية كزهرة معطرة على طبق من اللجين والعسجد
في كل خميس نرسل قصة من ما صح من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وكنا قد طلبنا منكم في الأسبوع الماضي أن تتفضلوا علينا بما يفتح الله عليكم من فوائد قصة
(عَجُوزُ بَني إِسرَائِيل) (بالأسفل)
فكان تجاوبكم رائعا مثمرا سحّاً غدقاً همعاّ طبقاً مجللا عدد الذي شاركوا في الفوائد (10)
بحق هذه الأمة مباركة لحبها لسنة نبيها فهو القائل (صلى الله عليه وسلم):"مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ" رواه الترمذي 2795 السلسلة الصحيحة 2286
عن أبي موسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:" أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابياً فأكرمه ، فقال له : « ائتنا » ، فأتاه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: « سل حاجتك » ، قال : ناقة نركبها ، وأعنز يحلبها أهلي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل » ؟ قالوا : "يا رسول الله ، وما عجوز بني إسرائيل ؟!"،
قال : « إن موسى عليه السلام لما سار ببني إسرائيل من مصر ، ضلوا الطريق ، فقال : ما هذا ؟ ، فقال علماؤهم : إن يوسف عليه السلام ، لما حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا ، قال : فمن يعلم موضع قبره ؟ ، قال : عجوز من بني إسرائيل ، فبعث إليها فأتته ، فقال : دليني على قبر يوسف ، قالت : حتى تعطيني حُكمِي ، قال : وما حُكمِك ؟ ، قالت : أكون معك في الجنة ، فكره أن يعطيها ذلك ، فأوحى الله إليه : أن أعطِها حُكمَها ، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء ، فقالت : أنضبوا هذا الماء ، فأنضبوه ، فقالت : احتفروا ، فاحتفروا ، فاستخرجوا عظام يوسف ، فلما أقلوها إلى الأرض ، وإذا الطريق مثل ضوء النهار »
رواه ابن حبان 724و أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 344 / 1 ) و الحاكم ( 2 / 404 - 405 ، 571 -572 )
صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 313 وصححه الحاكم والذهبي
) معاني المفردات(
ائتنا: أي لنرد عليك جميلك وكرمك
لما سار ببني إسرائيل من مصر: هربا من فرعون وامتثالاً لأمر الله " وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ"
أقلوها:رفعوها
طلبنا منكم البحث عن حل الإشكال: في هذا الحديث " عظام يوسف " أليست تتعارض بالظاهر مع الحديث الصحيح :" إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء "
الجواب : لا تعارض بين أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة ولكن كيف!!
والحمد لله عدد كبير من الأخوة بعث حل الإشكال
والجواب
هذا الأشكال وضحه وبينه لنا جهبذ من جهابذة الحديث وفقهه في هذا الزمان
الذي ندر أمثاله ممن حفظوا ووعوا السنة وعلومها
هذا الجبل هو العلامة ناصر السنة وناشرها أبو عبد الرحمن الألباني-رحمه الله وأجزل له الثواب-قال في السلسلة الصحيحة(1\623-624)
كنت استشكلت قديما قوله في هذا الحديث " عظام يوسف "
لأنه يتعارض بظاهره مع الحديث الصحيح :" إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء "
حتى وقفت على حديث ابن عمر رضي الله عنهما .
" أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما بدن , قال له تميم الداري : ألا أتخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك ؟
قال : بلى فاتخذ له منبرا مرقاتين " .أخرجه أبو داود ( 1081 ) بإسناد جيد على شرط مسلم .
فعلمت منه أنهم كانوا يطلقون " العظام " , و يريدون البدن كله , من باب إطلاق الجزء و إرادة الكل ,
كقوله تعالى *( و قرآن الفجر )* أي : صلاة الفجر . فزال الإشكال
فهذه هي الفوائد شكر الله لكل من أرسل بفائدة
وإنما السيل اجتماع النُقَط:
1. سخاء وكرم الحبيب صلى الله عليه وسلم
2. (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) رواه أبوداود 1424 وصححه الألباني (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)
3. تفقد النبي صلى الله عليه وسلم لرعيته وسؤالهم عن حوائجهم
4. تأدب الأعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم واقتناعه بطلب يسير لسد الحاجة فقط
5. ليس من خوارم المرؤة قبول رد الجميل
6. من المبالغة في الكرم التخيير في الهدية (سل حاجتك)
7. حب الصحابة رضى الله عنهم للعلم والتعلم بسؤالهم نبيهم صلى الله عليه وسلم عن معنى المثل
8. حبّ النبي صلى الله عليه وسلم لأخبار أخوته من الأنبياء خاصةً موسى عليه السلام.. فقد عانا مع قومه الإحن..فقد كان صلى الله عليه وسلم يتسلى به في المصائب قائلا: "رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ"البخاري2917 ومسلم 1759
9. تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عن قصص الأمم التي من قبلهم ليأخذوا منها العبرة والعظة (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) ( وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)
10. أن الأنبياء عليهم السلام بشر ولا يعلمون الغيب (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) تؤخذ من كونهم ضلوا الطريق وسؤال موسى عليه السلام عن هذا الشيء
11. أن الأنبياء والرسل كباقي البشر يموتون ولا يخلدون (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)
12. مشروعية أخذ العهود والمواثيق كما صنع يوسف (عليه السلام)
13. احترام موسى لعلماء بني إسرائيل وتوقيرهم لا يعرف لأهل الفضل فضلهم إلا أهل الفضل
14. عند الشدائد نتذكر و نبحث من اين اؤتينا (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)
15. تأدب نبي الله موسى مع الناس بقوله ( من يعلم موضع قبره ) وكان بالإمكان أن يقول دلوني على موضع قبره من أول مرة
16. حق طلب الأجرة والأتعاب بقول العجوز حتى تعطيني حُكمِي
17. حكمة العجوز وعلو همتها بطلب الأجرة (الجنة) بل أرادت الفردوس أعلى الجنة بمرافقة نبي من أولي العزم وهي مغزى القصة حيث أراد تعليم الصحابة علو الهمة
18. على المرء أن لا يكون شغله ومطلبه هو الدنيا وأن لا تكون أكبر همه وإنما يستعين بما آتاه الله بها لتحصيل خير الآخرة (وَلَا تَجْعَلْ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا) الترمذي 3424 حسنه الألباني
19. (إذا سأل أحدكم فليكثر ، فإنما يسأل ربه) أخرجه ابن حبان ( 2403 ) وصححه الألباني وإن خير ما يسأله المرء هو حسنة الآخرة فلا يغفل المرؤ عن طلب خير الآخرة فإن الله تعالى قال
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)البقرة
20. رأفت الحبيب صلى الله عليه وسلم بالخلق وتمنيه أن يكونوا رفقاءه في الجنة
21. جمال التعليم بضرب المثل دون التصريح..بأن يقول الصحابة عجوز تطلب طلبا أرقى ما يمكن
22. جمال تعبير العجوز بقولها "حكمي " أي قولا أحاكمك عليه بين يدي الله
23. لزوم صاحب العلم و طاعته (انضبوا و احتفروا )
24. الله لا يخلف وعده ( اصبح الطريق مثل ضوء النهار لما اتوا بالعهد )
25. تصديق الأنبياء والرسل عليهم السلام لوحي السماء
26. كراهية إعطاء نبي الله موسى عليه السلام لحكم المرأة لأربعة أمور
a. من باب أستثقاله لطلبها كونها طلبت الجنة مقابل أمر صغير والناس تقاتل وتسفك الغالي والنفيس من أجل الجنة
b.أنّ من يدخلون الحنة علمهم عند الله فموسى لا يستطيع أن يجزم بلا وحي..ومن العلم أن تسكت عند عدم العلم وفي المثل :"لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف"
c. أنها عبرت بالمحاكمة ووقعها على القلوب المؤمنة شديد
في الختام لا أملك إلا أن أقول ما شاء الله ما شاء الله
ولو تأملنا أكثر لاستخرجنا أكثر
وأسأل الله لي ولكم التوفيق شاكرا لكم حُسْن متابعتكم
من أراد أن أرسل حديث اليوم لأصدقائه وأحبابه نيابة عنه فليبعث لي بعناوينهم بشرط أن يعلم رضاهم المسبق
وإلـى اللـقـاء فـي الـحـديـث الـقـادم "إن شـاء الله"